للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم، فلما رأوا المسلمين، وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا (١)، واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة، سواء كانوا من الحبشة أو غيرها.

فقوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتَّى همّوا بقتل رسول الله غير مرة، وسموه وسحروه، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

قال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية: حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن السري، حَدَّثَنَا محمد بن علي بن حبيب الرقي، حَدَّثَنَا علي بن سعيد العلاف، حَدَّثَنَا أبو النضر، عن [الأشجعي] (٢)، عن سفيان، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما خلا يهودي بمسلم قط إلا همّ بقتله"، ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري، حَدَّثَنَا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي، حَدَّثَنَا فرج بن عبيد، حَدَّثَنَا عباد بن العوام، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما خلا يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله" (٣)، وهذا حديث غريب جدًّا.

وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ أي: الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: وَجَعَلنَا في قُلُوبِ ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً﴾ [الحديد: ٢٧] وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعًا في ملتهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي: يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم، واحدهم قسيس وقس أيضًا، وقد يجمع على قسوس، والرهبان جمع راهب، وهو العابد، مشتق من الرهبة، وهي الخوف، كراكب وركبان، وفرسان.

قال ابن جرير: وقد يكون الرهبان واحدًا وجمعه رهابين، مثل قربان وقرابين، وجردان وجرادين، وقد يجمع على رهابنة، ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحدًا قول الشاعر:

لو عاينت رُهبان دير في القلل … لانحدر الرهبان يمشي ونزل (٤)

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حَدَّثَنَا بشر بن آدم. حَدَّثَنَا نصير بن أبي الأشعث، حدثني الصلت الدهان، عن حامية (٥) بن رئاب، قال: سألت سلمان عن قول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبه عن قتادة بنحوه.
(٢) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل صحف إلى: "الأشعي".
(٣) أخرجه الخطيب البغدادي من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة ثم قال: هذا حديث غريب جدًّا من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة (تاريخ بغداد ٨/ ٣١٦)، وضعفه ابن كثير.
(٤) ذكره في التفسير بلفظه مع الشاهد (١٠/ ٥٣) ط. شاكر.
(٥) كذا في الأصل ومن ترجم له، وفي (مح): جاثمة. وهو تصحيف.