للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مطر الوراق، عن الحسن في قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ قال: قاس إبليس وهو أول من قاس (١). إسناده صحيح.

وقال: حدثني [عمرو] (٢) بن مالك، حدثني يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس (٣). إسناد صحيح أيضًا.

﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)﴾.

يقول تعالى مخاطبًا لإبليس بأمر قدري كوني: ﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾ أي: بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي، فما يكون لك أن تتكبّر فيها.

قال كثير من المفسرين: الضمير عائد إلى الجنة، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى المنزلة التي هو فيها في الملكوت الأعلى ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أي: الذليلين الحقيرين، معاملة له بنقيض قصده ومكافأة لمراده بضده، فعند ذلك استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين،

قال: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)﴾ أجابه تعالى إلى ما سأل، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)﴾.

يخبر تعالى أنه لما أنذر إبليس ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: ١٤] واستوثق إبليس بذلك، أخذ في المعاندة والتمرّد، فقال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: كما أغويتني.

قال ابن عباس: كما أضللتني (٤)، وقال غيره: كما أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: طريق الحق وسبيل النجاة، لأضلّنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي.

وقال بعض النحاة: الباء هنا قسمية كأنه يقول فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم (٥).

قال مجاهد: صراطك المستقيم يعني الحق (٦).


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وصححه الحافظ ابن كثير، وهذا التصحيح يُسعف أمثالنا طلاب العلم الذين لم يعثروا على ترجمة شيخ الطبري: القاسم.
(٢) كذا في (عش) و (مح) و (حم) وتفسير الطبري وفي الأصل: "عمر".
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وصحح سنده الحافظ.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٥) وقال بعضهم إنها سببية وذكر القولين أبو بكر بن الأنباري والزمخشري (ينظر الدر المصون ٣/ ٢٤١).
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.