للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رَبِّي﴾ أي: أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتّبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي، فإن بعث آية قبلتها وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها إلا أن يأذن لي في ذلك، فإنه حكيم عليم، ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبيَن الدلالات وأصدق الحجج والبيّنات، فقال: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)﴾.

لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة، أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظامًا له واحترامًا، لا كما كان "يتعمده" كفار قريش المشركون في قولهم: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦]، ولكن يتأكد ذلك من الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "إنما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا" (١). وكذا رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة أيضًا، وصححه مسلم بن الحجاج أيضًا، ولم يخرجه في كتابه، وقال إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ والآية الأخرى، أمروا بالإنصات (٢).

قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن المسيب بن رافع قال ابن مسعود: كنّا يسلّم بعضنا على بعض في الصلاة، فجاء القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)﴾.

وقال أيضًا: حدثنا أبو كريب، حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن يُسير بن جابر قال: صلّى ابن مسعود فسمع ناسًا يقرؤون مع الإمام، فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا، أما آن لكم أن تعقلوا ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ كما أمركم الله (٣).

قال: وحدثني أبو السائب، حدثنا حفص، عن أشعث، عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله كلّما قرأ شيئًا قرأه، فنزلت: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ (٤).

وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الزهري عن [أبي أُكَيمة] (٥) الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: "هل قرأ أحد منكم معي آنفًا؟ " قال رجل: نعم يا رسول الله، قال: "إني أقول ما لي أنازع القرآن" قال: فانتهى الناس عن


(١) صحيح مسلم، الصلاة، باب التشهد في الصلاة (ح ٤٠٤).
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري به، وسنده ضعيف لضعف إبراهيم ولكنه يتقوى بالمتابعة إذ رواه ابن أبي شيبة من طريق البختري عن أبي عياض به (المصنف، الصلوات في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] ٢/ ٤٧٨) ويشهد له ما يلي عن ابن مسعود .
(٣) أخرجه الطبري الروايتين سندًا ومتنًا، والرواية الأولى فيها انقطاع بين المسيب وابن مسعود والرواية الثانية فيها انقطاع بين داود ويسير ولكن ابن أبي حاتم أخرجه بسند صحيح متصل من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة، وهو المنذر بن مالك: ثقة، عن يسير به.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإرسال الزهري.
(٥) كذا في (عم) و (حم) و (مح) وترجمته في التقريب، وفي الأصل صُحف إلى: "ابن أكتمة".