للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى قوله تعالى: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ أي: يحبون أن الطائفة التي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير، ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ أي: هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم، ويظهر دينه ويرفع كلمة الإسلام ويجعله غالبًا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يُحبّون خلاف ذلك فيما يظهر لهم كقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع رسول الله بأبي سفيان مقبلًا من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن ينفلِّكموها، فانتدب الناس فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنُّوا أن رسول الله يلقى حربًا، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفًا على أمر الناس، حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة، وخرج رسول الله في أصحابه، حتى بلغ واديًا يقال له: ذفران، فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر فقال، فأحسن. ثم قام عمر فقال، فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله به، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد، - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله ، خيرًا ودعا له بخير، ثم قال رسول الله : "أشيروا علي أيها الناس". وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله إنا برآء من زمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، وكان رسول الله يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال رسول الله ذلك قال له سعد بن معاذ: والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أجل". فقال: آمنَّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله فوالّذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبر عند الحرب صُدق عند اللقاء، ولعلَّ الله يريك منَّا ما تقرّ به عينك،