للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فسِر بنا على بركة الله، فسُر رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال: "سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم" (١).

وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا (٢)، وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق (٣).

﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نوح قُراد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زُميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر النبي إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي القبلة وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: "اللّهم أنجز لي ما وعدتني، اللّهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبدًا" قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله ﷿: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)﴾ فلما كان يومئذٍ التقوا، فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلًا وأسر منهم سبعون رجلًا، واستشار رسول الله أبا بكر وعمر وعليًا فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا فقال رسول الله : "ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال: قلت: ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنِّي من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكِّن عليًا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكِّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوي رسول الله ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلتُ، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي وأبي بكر وهما يبكيان فقلت: ما يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. قال النبي : "للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة من النبي وأنزل الله ﷿: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ [الأنفال: ٦٧ - ٦٨] من الغداء ثم أحل لهم الغنائم. فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقُتل منهم سبعون، وفرَّ أصحاب


(١) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده حسن إذ يشهد له ما سبق وما لحق.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما سبق.
(٣) قول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه مختصرًا وقول عبد الرحمن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه، مختصرًا، وهذه الروايات يقوي بعضها بعضًا وتتقوى بما سبق أيضًا.