للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال محمد بن إسحاق: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ قال: هو فيما بلغني ما هم فيه من أمر الإسلام وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها، ثم العذاب العظيم الذي يُردُّون إليه عذاب الآخرة والخلد فيه (١).

وقال سعيد، عن قتادة في قوله: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾: عذاب الدنيا وعذاب القبر ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ وذُكر لنا أن نبي الله أسرَّ إلى حذيفة باثني عشر رجلًا من المنافقين، فقال: "ستة منهم تكفيهم الدبيلة: سراج من نار جهنم يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره، وستة يموتون موتًا"، وذُكر لنا أن عمر بن الخطاب كان إذا مات رجل ممن يرى أنه منهم، نظر إلى حذيفة فإن صلى عليه وإلا تركه، وذُكر لنا أن عمر قال لحذيفة: أنشدك الله أمنهم أنا؟ قال: لا [ولا أومِن] (٢) منها أحدًا بعدك (٣).

﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)﴾.

لما بيّن تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة رغبة عنها وتكذيبًا وشكًّا، شرع في بيان حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلًا وميلًا إلى الراحة مع إيمانهم وتصديقهم بالحق، فقال: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي: أقرُّوا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم، ولهم أعمال أُخر صالحة خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه.

وهذه الآية وإن كانت نزلت في أناس مُعيَّنين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطَّائين المخلطين المتلوثين.

وقد قال مجاهد: إنها نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة: إنه الذبح، وأشار بيده إلى حلقه (٤).

وقال ابن عباس: ﴿وَآخَرُونَ﴾ نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك، فقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل: وسبعة معه، وقيل: وتسعة معه، فلما رجع رسول الله من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله ، فلما أنزل الله هذه الآية ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ أطلقهم رسول الله وعفا عنهم (٥).

وقال البخاري: حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو


(١) أخرجه الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق بلاغًا وسنده ضعيف ويشهد له ما سبق.
(٢) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "آمن".
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح في الشطر الأول، أما الشطر الثاني من قوله: وذُكر لنا … فإنه مرسل.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد لكنه مرسل ويتقوى بما يلي.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، ويشهد له ما أخرجه ابن منده بسند قوي عن جابر بأن الآية نزلت في أبي لبابة وخمسة معه وقد سمّاهم (ينظر: الإصابة ١/ ٩٥).