للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رجاء، حدثنا سمرة بن جندب قال: قال رسول الله لنا: "أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن وهذا منزلك، قالا: وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم" (١)، هكذا رواه البخاري مختصرًا في تفسير هذه الآية.

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)﴾.

أمر تعالى رسوله بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون (٢)، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله ، ولهذا احتجوا بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ الآية، وقد ردَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد، أبو بكر الصديق وسائر الصحابة وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله ، حتى قال الصديق: والله لو منعوني عِقالًا (٣) -وفي رواية: عَناقًا- (٤) كانوا يؤدونه إلى رسول الله لأقاتلنهم على منعه (٥).

وقوله: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أي: ادع لهم واستغفر لهم، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي إذا أُتي بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللَّهم صلِّ على آل أبي أوفى" (٦).

وفي الحديث الآخر أن امرأة قالت: يا رسول الله صلِّ عليَّ وعلى زوجي، فقال: "صلى الله عليك وعلى زوجك" (٧).

وقوله: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ قرأ بعضهم ﴿صَلَاتَكَ﴾ على الجمع، وآخرون قرأوا ﴿إِنَّ


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ … ﴾ [التوبة: ١٠٢] ح ٤٦٧٤).
(٢) هنا ورد بياض بقدر كلمة.
(٣) العِقال: ما يشد به ظلف البعير بذراعه حال بروكه.
(٤) العَناق: الأنثى من ولد المعز.
(٥) أخرجه الشيخان (صحيح البخاري، الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله ح ٧٢٨٤، ٧٢٨٥، وصحيح مسلم، الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ح ٢٠).
(٦) أخرجه الشيخان (صحيح البخاري، الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (ح ١٤٩٧)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة ح ١٠٧٨).
(٧) أخرجه الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله (المسند ٣/ ٣٠٣)، وأبو داود (السنن، الصلاة، باب الصلاة على غير النبي ح ١٥٣٣) وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٧/ ٣٩٨)، وأخرجه إسماعيل القاضي وصححه الألباني "فضل الصلاة على النبي " (ح ٧٧).