للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي أُمية: يا أبا طالب أترغب عن مِلَّة عبد المطلب؟ فقال: أنا على مِلَّة عبد المطلب، فقال النبي : "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فنزلت: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)﴾، قال: ونزلت فيه: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (١) [القصص: ٥٦]. أخرجاه (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن علي قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي ، فنزلت ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ الآية، قال: لما مات. فلا أدري، قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث: لما مات (٣).

(قلت): هذا ثابت عن مجاهد أنه قال: لما مات.

وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي، عن مُحارب بن دِثار، عن ابن بُريدة، عن أبيه قال: كنا مع النبي ونحن في سفر، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب، فصلَّى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأُم وقال: يا رسول الله ما لكَ؟ قال: "إني سألت ربي ﷿ في الاستغفار لأُمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها لتذكركم زيارتها خيرًا؛ ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وأمسكوا ما شئتم؛ ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرًا" (٤).

وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بُريدة، عن أبيه أن النبي لما قدم مكة، أتى رسمَ قبرٍ، فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرًا، فقلنا: يا رسول الله إنَّا رأينا ما صنعت. قال: "إني استأذنت ربي في زيارة قبر أُمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي" فما رؤي باكيًا أكثر من يومئذٍ (٥).

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا خالد بن خداش، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن جريج، عن أيوب بن هانيء، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: خرج رسول الله يومًا إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلًا ثم بكى


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٥٣٣) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١١٣] (ح ٤٦٧٥)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت … (ح ٢٤).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٦٢ ح ٧٧١) وحسن سنده محققوه.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٨/ ١١١ ح ٢٣٠٠٣) وصحح سنده محققوه.
(٥) أخرجه الطبري من طريق علقمة به، وفي طبعة الأستاذ أحمد شاكر لم يذكر شيخ الطبري وفي طبعة معالي د. عبد الله التركي صرح باسمه أحمد وعلى كل حال يشهد له ما سبق، كما يشهد له ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: استأذنت ربي لأُمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي (الصحيح، الجنائز، باب استئذان النبي ربه ﷿ في زيارة أمه ح ٩٧٦).