للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبكينا لبكائه، ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا، فقال: "ما أبكاكم؟ "، فقلنا: بكينا لبكائك، قال: "إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي" ثم أورده من وجه آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبًا منه، وفيه: "وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل عليَّ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الآخرة" (١).

(حديث آخر): في معناه، قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أُمه فناجى ربه طويلًا، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئًا لا تطيقه، فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال: "ما يبكيكم؟ " قالوا: يا نبي الله بكينا لبكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال: "لا، وقد كان بعضه، ولكن نزلتُ على قبر أُمي، فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ فتبرأ أنت من أُمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أُمتي أربعًا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، ودعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعًا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج" (٢).

وإنما عدل إلى قبر أُمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم، وهذا حديث غريب وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة، أن الله أحيا أُمه فآمنت ثم عادت (٣)، وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون: إن الله أحيا له أباه وأُمه فآمنا (٤) به. وقد قال الحافظ ابن دحية: هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع، قال الله تعالى: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨].

وقال أبو عبد الله القرطبي: إن مقتضى هذا الحديث .. وردَّ على ابن دحية في هذا الاستدلال، بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها، فصلى علي


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه تقريبًا، وفي سنده أيوب بن هانئ صدوق فيه لين كما في التقريب، وله شواهد تقدمت.
(٢) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ١١/ ٣١٤ ح ١٢٠٤٩)، قال الهيثمي: من عدا عكرمة لم أعرفهم (مجمع الزوائد ٧/ ٤٥٩)، وضعفه الحافظ ابن كثير سندًا ومتنًا.
(٣) سنده ضعيف لجهالة الراوي عن عائشة، ومتنه فيه نكارة، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ١/ ٢٨٣ وضعفه السيوطي (اللآلي المصنوعة ١/ ٢٦٦) مخالفة لرواية الصحيح من حديث أبي هريرة المتقدم قبل صفحتين.
(٤) (الروض الأنف ١/ ١١٣)، وسنده ضعيف أيضًا وحكمه كسابقه سندًا ومتنًا.