للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصر، قال الطحاوي: وهو حديث ثابت يعني: حديث الشمس، قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلًا ولا شرعًا، قال: وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به (١).

(قلت): وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صحَّ فلا مانع منه، والله أعلم.

وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ الآية، أن النبي أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله ﷿ عن ذلك، فقال: "إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه" فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ الآية (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية، فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية (٣).

وقال قتادة، في الآية: ذُكر لنا أن رجالًا من أصحاب النبي : قالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفكُّ العاني، ويوفِّي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي : "بلى والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه"، فأنزل الله ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ حتى بلغ قوله: ﴿الْجَحِيمِ﴾. ثم عذر الله تعالى إبراهيم ، فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية، قال: وذُكر لنا أن النبي قال: "قد أوحى الله إليَّ كلمات فدخلنَّ في أذني ووقرنَّ في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركًا، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا يلوم الله على كَفاف (٤) " (٥).

وقال الثوري، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابنٌ مسلمٌ فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح مادام حيًا، فإذا مات وكَّله إلى شأنه، ثم قال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ لم يدع (٦).

ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي ، لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: "اذهب فواره ولا تُحدثنَّ شيئًا حتى تأتيني … " فذكر تمام الحديث (٧).


(١) ذكره في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص ١٧، وما ذكره يخالف ما صح من حديث أبي هريرة المتقدم قبل صفحتين.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن العوفي به، ويتقوى بما يلي.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٤) الكفَاف: هو من الرزق على قدر حاجة المرء، لا يفضل منه شيء.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل.
(٦) أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن المبارك عن الثوري به، وسنده صحيح.
(٧) أخرجه أبو داود (السنن، الجنائز، باب الرجل يموت له قرابة مشرك ح ٣٢١٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٧٥٣).