للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل (١).

﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ من القول: ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي: يعلم ما تكنّ صدورهم من النيات والضمائر والسرائر، وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة:

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم … ليخفى فمهما يكتم الله يعلم

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر … ليوم حساب أو يعجل فينقم (٢)

فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة.

وقال عبد الله بن شداد: كان أحدهم إذا مرَّ برسول الله ثنى عنه صدره وغطى رأسه فأنزل الله ذلك (٣).

وعود الضمير إلى (الله) أولى لقوله: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ وقرأ [ابن عباس] (٤): ألا إنهم تثنوني صدورُهم (٥)، برفع (٦) الصدور على الفاعلية، وهو قريب المعنى.

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)﴾.

أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها، وأنه يعلم مستقرها ومستودعها، أي: يعلم أين منتهى سيرها في الأرض؟ وأين تأوي إليه من وكرِها؟ وهو: مستودعها.

وقال علي بن أبي طلحة وغيره، عن ابن عباس: ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ أي: حيث تأوي ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ حيث تموت (٧).

وعن مجاهد: ﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ في الرحم ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ في الصلب كالتي في الأنعام (٨)، وكذا روي عن ابن عباس والضحاك (٩) وجماعة.


(١) قول مجاهد تقدم في سابقه بنحو قول ابن عباس، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف الأعرابي عنه.
(٢) ديوان زهير بن أبي سلمى ص ١٨.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق حصين بن عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن شدأ، لكنه مرسل لم يرو من طريق آخر.
(٤) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "ابن مسعود".
(٥) قراءة: (تثنوني صدُورهم). شاذة تفسيرية.
(٦) أخرجه البخاري كما تقدم تخريجه من بداية تفسير الآية، ولكن يبقى حكم القراءة شاذة تفسيرية لا يُقرأ بها.
(٧) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه.
(٨) أي في سورة الأنعام آية ٩٨ قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. . .﴾ [الأنعام: ٩٨] وهذا الأثر أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٩) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف لم يصرح باسم شيخ الطبري.