للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولًا وفعلًا من الإتيان بالطاعات وترك المنكرات وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض والسماوات، وهم في ذلك خالدون لا يموتون، ولا يهرمون ولا يمرضون ولا ينامون، ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون،

ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾ أي: الذين وصفهم أولًا بالشقاء والمؤمنين بالسعادة فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)[الأنفال].

وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب بصير بالحق يُميِّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة، فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا؟ ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء؟ كما قال في الآية الأخرى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)[الحشر] وقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤)[فاطر].

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧)﴾.

يخبر تعالى عن نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه: ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي: ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله، ولهذا قال: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾.

وقوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ أي: إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذابًا أليمًا موجعًا شاقًا في الدار الآخرة

﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ أي: لست بملك ولكنك بشر، فكيف أوحي إليك من دوننا؟ ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم، ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ولهذا قالوا: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ أي: في أول بادئ الرأي ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ يقولون: ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم في دينكم هذا ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ أي: فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها، هذا اعتراض