للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من الله ﷿: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه احتشامًا ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم كما سأل أمثالهم خاتم الرسل أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسًا خاصًا فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. . .﴾ الآيات [الأنعام: ٥٢]، ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨].

وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)[الأنعام].

﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)﴾.

يخبرهم أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له بإذن الله له في ذلك ولا يسألهم على ذلك أجرًا، بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع، فمن استجاب له فقد نجا، ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وليس هو بملَك من الملائكة بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات، ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم: إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم، الله أعلم بما في أنفسهم، فإن كانوا مؤمنين باطنًا كما هو الظاهر من حالهم فلهم جزاء الحسنى، ولو قطعَ لهم أحدٌ بشرٍ بعد ما آمنوا لكان ظالمًا قائلًا ما لا علم له به.

﴿قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه، والبلاء موكل بالمنطق. ﴿قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ أي: حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ أي: من النقمة والعذاب، ادع علينا بما شئت، فليأتنا ما تدعو به ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢)

﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣)﴾ أي: إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي لا يعجزه شيء

﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ أي: أي شيء يجدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ أي: إغواؤكم ودماركم ﴿هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي: هو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجوز، له الخلق وله الأمر، وهو المبديء المعيد مالك الدنيا والآخرة.

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)﴾.

هذا كلام معترض في وسط هذه القصة مؤكد لها، ومقرر لشأنها يقول تعالى لنبيه محمد : أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون، افترى هذا وافتعله من عنده ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾ أي: فإثم ذلك عليَّ ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ أي: ليس ذلك مفتعلًا ولا مفترى، لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه.