إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ الآية، يقول: هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه، ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إمامًا يقتدى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد ﴿مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ﴾ هذا التوحيد وهو الإقرار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾ أي: أوحاه إلينا وأمرنا به. ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾ إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل ﴿بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يجعل الجد أبًا، ويقول: والله فمن شاء لاعنته عند الحجر، ما ذكر الله جدًا ولا جدة، قال الله تعالى، يعني إخبارًا عن يوسف: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ (١).
﴿يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)﴾.
ثم إنّ يوسف ﵇ أقبل على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما، فقال: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ أي: الذي ذلَّ كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه، ثم بيّن لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهة إنما هو جهل منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم، تلقاها خلفهم عن سلفهم، وليس لذلك مستند من عند الله، ولهذا قال: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي: حجة ولا برهان، ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله، وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلا إياه.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له، هو الدين المستقيم الذي أمر الله به، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: فلهذا كان أكثرهم مشركين، ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)﴾ [يوسف].
وقد قال ابن جرير: إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا، لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما، فأحبَّ أن يشغلهما بغير ذلك لئلا يعاودوه فيها، فعاودوه فأعاد عليهم الموعظة (٢).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه سعيد بن منصور من طريق هشيم عن حجاج به (السنن ١/ ٦٤).
(٢) ذكره الطبري بنحوه (التفسير ١٦/ ١٠٢).