للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة الجمعة، كما قال ابن جرير أيضًا: حدثني المثنى، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أيوب الدمشقي، حدثنا الوليد، أنبأنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله : ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، وهو قول أخي يعقوب لبنيه (١). وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر، والله أعلم.

﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)﴾.

يخبر تعالى عن ورود يعقوب على يوسف ، وقدومه بلاد مصر، لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحملوا عن آخرهم، وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين ديار مصر، فلما أخبر يوسف باقترابهم، خرج لتلقيهم وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب ، ويقال: إن الملك خرج أيضًا لتلقيه، وهو الأشبه، وقد أشكل قوله: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ﴾ على كثير من المفسرين، فقال بعضهم: هذا من المقدم والمؤخر، ومعنى الكلام ﴿وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ وآوى إليه أبويه ورفعهما على العرش، وردَّ ابن جرير هذا، وأجاد في ذلك، ثم اختار ما حكاه عن السدي أن يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما، ثم لما وصلوا باب البلد قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (٢).

وفي هذا نظر أيضًا، لأن الإيواء إنما يكون في المنزل، كقوله: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ وفي الحديث: "من آوى محدثًا" (٣)، وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه: ادخلوا مصر، وضمنه اسكنوا مصر - إن شاء الله - آمنين؛ أي: مما كنتم فيه من الجهد والقحط، ويقال - والله أعلم - إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم، كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله على أهل مكة حين قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه، وأرسلوا أبا سفيان في ذلك،


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وهو حديث موضوع فقد أخرجه الترمذي (السنن، الدعوات، باب في دعاء الحفظ ح ٣٥٧٠)، والحاكم (المستدرك ١/ ٣١٦، ٣١٧) كلاهما من طريق سليمان بن عبد الرحمن مطولًا وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: هذا حديث منكر شاذ، أخاف أن يكون موضوعًا، وقد حيّرني والله جودة سنده ١٠ هـ. وقد جزم أنه موضوع في سير أعلام النبلاء ٩/ ٢١٨ فقال: هذا عندي موضوع والسلام.
(٢) ذكره الطبري بنحوه وقول السدي أخرجه معلقًا.
(٣) أخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب (الصحيح، الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ح ١٩٧٨).