للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فدعا لهم فرفع عنهم بقية ذلك ببركة دعائه (١).

وقوله: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ قال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنما كان أباه وخالته (٢)، وكانت أُمه قد ماتت قديمًا (٣).

وقال محمد بن إسحاق وابن جرير: كان أبوه وأُمه يعيشان (٤)، قال ابن جرير: ولم يقم دليل على موت أُمه، وظاهر القرآن يدل على حياتها، وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق.

وقوله: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ قال أبي عباس ومجاهد وغير واحد: يعني السرير (٥)، أي أجلسهما معه على سريره، ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ أي: سجد له أبواه وإخوته الباقون. وكانوا أحد عشر رجلًا، ﴿وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: التي كان قصها على أبيه من قبل، ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ الآية [يوسف: ٤]، وقد كان هذا سائغًا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى ، فحُرِّم هذا في هذه الملَّة، وجعل السجود مختصًا بجناب الرب ، هذا مضمون قول قتادة وغيره.

وفي الحديث أن معاذًا قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلما رجع سجد لرسول الله فقال: "ما هذا يا معاذ؟ " فقال: إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم، وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله، فقال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها" (٦).

وفي حديث آخر: أن سلمان لقي النبي في بعض طرق المدينة، وكان سلمان حديث عهد بالإسلام، فسجد للنبي فقال: "لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحي الذي لا يموت" (٧).

والغرض أن هذا كان جائزًا في شريعتهم، ولهذا خروا له سجدًا، فعندها قال يوسف: ﴿يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ أي: هذا ما آل إليه الأمر، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر، كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] أي: يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا به من خير وشر.

وقوله: ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ أي: صحيحة صدقًا يذكر نعم الله عليه، ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ أي: البادية.


(١) أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود (صحيح البخاري، التفسير، سورة الروم ح ٤٧٧٤، وصحيح مسلم، صفات المنافقين، باب الدخان ح ٢٧٩٨).
(٢) قول السدي أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسندين يقوي أحدهما الآخر من طريق أسباط عن السدي.
(٣) قول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عمرو بن أبي سلمة عنه.
(٤) أخرجه الطبري عن ابن إسحاق بلفظ: "أباه وأُمُّه".
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بقول مجاهد إذ أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٦) أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفي (السنن، النكاح، باب حق الزوج على المرأة ح ١٨٥٣) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجه ح ١٥٠٣).
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند مرسل من طريق شهر بن حوشب عن سلمان (التفسير، سورة الفرقان آية ٥٨).