للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بذلك؛ فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى، كذا رواه ابن جرير (١)، عن عطاء؛ ووجهه بذلك، والله أعلم.

وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠].

ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله لعلي: "اكتب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾ فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري (٢). وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (٦٠)[الفرقان].

والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم، فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن.

قال ابن جرير (٣): وقد أنشد بعض الجاهلية (الجهلاء) (٤).

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها … ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وقال سلامة بن جندب (الطهوي) (٥):

عجلتم علينا (عجلتينا) (٦) عليكم … وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

وقال ابن جرير (٧): حدثنا أبو كريب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس؛ قال: الرحمن الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب، وقال: (﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾) الرقيق الرفيق لمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، وكذلك أسماؤه كلها.

وقال ابن جرير (٨) أيضًا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا حماد بن مسعدة، عن عوف، عن الحسن، قال: الرحمن اسم ممنوع.


(١) في "تفسيره" (١٤٩) ورجاله ثقات إلا نصر بن عمرو اللخمي الفلسطيني فلم أجد فيه إلا ما ذكره الدولابي في "الكنى" (١/ ١١٠) من أنه روى عنه يحيى بن صالح الوحاظي.
(٢) في "صحيحه" (٥/ ٣٢٩ - ٣٣٣).
وأخرجه مسلم (١٧٨٤/ ٩٣)؛ وأحمد (٣/ ٢٦٨) من طريق عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة بسنده سواء وفيه: "ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم".
(٣) في "تفسيره" (١/ ١٣١ - شاكر).
(٤) كذا في (ج) و (ل) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري"، ووقع في (ز) و (ع) و (ك) و (ن) و (هـ) و (ى): "الجهال".
(٥) هذه النسبة ثابتة في كل "الأصول" وأنكرها الشيخ محمود شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" (١/ ١٣١).
(٦) في (ك) و (ل) و (ن): "عجلنا".
(٧) في "تفسيره" (١٤٨) وسنده ضعيف جدًّا وتقدم القول فيه.
(٨) في "تفسيره" (١٥٠) وإسناده صحيح، وعوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي.