للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[وقال ابن جرير () (١): الحمد لله حدّثناء أثنى به على نفسه. وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا: الحمد لله] (٢).

قال: وقد قيل: إن قول القائل: الحمد لله ثناء عليه (بأسمائه الحسنى وصفاته العلى) (٣).

وقوله: الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه.

ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلًّا من الحمد والشكر مكان الآخر. [وقد نقل السلمي هذا المذهب: أنهما سواء، عن جعفر الصادق، وابن عطاء من الصوفية.

وقال ابن عباس: الحمد لله كلمة كل شاكر. وقد استدل القرطبي (٤) لابن جرير بصحة قول القائل: الحمد لله شكرًا] (١).

وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان؛ كما قال الشاعر:

أفادتكم النعماء منى ثلاثةً … يدى ولساني والضمير المحجبا

ولكنهم اختلفوا أيهما أعم: الحمد أو الشكر؟ على قولين: والتحقيق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته، وحمدته لكرمه، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأن يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم. وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال: شكرته لفروسيته؛ وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليَّ.

هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين (٥). والله أعلم.


(١) من (ن).
(٢) ساقط من (ز).
(٣) كذا في "الأصول" كلها، ووقع في (ز): "بأسمائه وصفاته الحسنى"، وهذا هو الموافق لما في "تفسير الطبري" (١/ ١٣٧).
(٤) في "تفسيره" (١/ ١٣٣).
(٥) لكن هذا التحرير فيه إبهام وأوضح منه ما قاله الإمام المحقق ابن القيم ، فقال في "مدارج السالكين" (٢/ ٢٥٦، ٢٥٧): "وتكلم الناس في الفرق بين الحمد والشكر أيهما أعلى وأفضل؟ وفي الحديث: "الحمد رأس الشكر فمن لم يحمد الله لم يشكره" والفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا أن الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا، ومتعلقه: النعم، دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد يقع بالقلب واللسان. اهـ.