للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسيرها، وذلك في كتابه -يعني في كتاب مكي- قال القرطبي: ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضًا. قال السعد في حاشيته على الكشاف: واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعرابًا ونظمًا وحكمًا). ا هـ (١).

ونقل الحافظ ابن حجر عن أبي إسحاق الزجاج: (هذا الموضع من أصعب ما في القرآن إعرابًا)، قال الشهاب السمين: (ولقد صدق والله فيما قال).

وقال السخاوي: لم أر أحدًا من العلماء تخلص كلامه فيها من أولها إلى آخرها.

وقال الواحدي: وهذه الآية وما بعدها من أعوص ما في القرآن معنى وإعرابًا (٢).

ولكن بالرجوع إلى الرواية النبوية الشريفة يفهم المعنى، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جامًا من فضة مخوصًا من الذهب، فأحلفهما رسول الله ثم وجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] (٣)، واستنادًا على هذا الحديث يكون اختيار وجه الإعراب، فيزول الإشكال باختيار ذلك الوجه من الإعراب.

ومثال آخر قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠]، وقوله: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف: ٦٣]، وقوله: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف: ٦٤]. فإن بيانه من الحديث المتفق عليه الذي سيأتي ذكره عند تفسير هذه الآيات، فقد بيّن ذلك الحديث سبب قول موسى لفتاه: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ … ﴾ وهذه الأحاديث قد يسبقها تفسير قرآني ويلحقها بيان الصحابة .

منهجه في إيراد الأحاديث الشريفة:

يعتني الحافظ ابن كثير بإيراد الأحاديث الشريفة من مسند الإمام أحمد والكتب الستة والموطأ وغيرها من الكتب المسندة، ويعتمد على الأحاديث الصحيحة، وأحيانًا يسوق حديثًا واحدًا أو أكثر لبيان الآية.

وأحيانًا يأتي بعشرات الأحاديث في تفسير آية واحدة، فعلى سبيل المثال أطال الحافظ ابن كثير النفس في سرد روايات الإسراء والمعراج، وقد يستغرب القارئ من هذه الإطالة، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب. فالحافظ ابن كثير له في ذلك مآرب سديدة وغايات رشيدة، فمن المعروف أن قصة الإسراء والمعراج دارت بها الألسن وكثرت فيها الحكايات والروايات فأراد الحافظ ابن كثير أن يفرق بين الصحيح والسقيم، وأن يكشف علل الروايات الضعيفة، فساق روايات صحيحة متواترة وروايات ضعيفة متناثرة، وذلك من كتب الصحيحين والسنن والمسانيد


(١) "فتح القدير" (٢/ ٨٦).
(٢) "فتح الباري" (٥/ ٤١٠).
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>