والتفاسير وغيرها فما كان في الصحيح لم يحكم عليه وما كان في غيره فإنه يحكم عليه عن طريق الإسناد أو عن طريق بيان نكارة المتن، فإذا لم يذكر ذلك فإنه يردفه بالشواهد. وهذه الصناعة من مآربه فهو حينما يتقصى الروايات فإنه يريد أن يجمع جزئيات قصة الإسراء والمعراج لأنها متفرقة ومنثورة في عشرات الروايات وبذلك تظهر القصة متكاملة بجزئياتها، ومغربلةً بنقد أسانيدها ومتونها.
وأحيانًا يذكر عدة روايات متشابهة ليبين الغريب، وأما ما عرضه من طرق كثيرة مروية عن جمع من الصحابة ليبرهن التواتر الوارد في هذه القصة، إنه منهج دقيق في النقد.
وهكذا فلو تتبعنا مواطن سرد الأحاديث وكثرة إيرادها نجد لذلك منهجًا علميًا دقيقًا، وأحيانًا يصنع ذلك لتشنيف الأسماع، ولفت الأنظار إلى أهمية ذلك الموضوع الذي تناولته تلك الأحاديث مثل موضوع: الكبائر، والإنفاق في سبيل الله تعالى ونحوه.
وقد يقال: إنه يسوق بعض الأحاديث الضعيفة، فإن ذلك له أسبابه فإنه إما ليؤكد أنه ضعيف الإسناد وأن الرأي الذي يستشهد به هو مرجوح، أو أنه يذكر الضعيف ثم يذكر له الشواهد ليبرهن على تقويته، وأحيانًا يسوق الحديث الضعيف لأن بعض العلماء قد استشهد به كما في تفسير سورة الإسراء آية [١٦].
ثالثًا: تفسير الصحابة ﵃:
بما أن الصحابة ﵃ هم أعرف الناس في التفسير بعد النبي ﷺ فقد اعتمد الحافظ على تفاسيرهم، وأكثر النقل عنهم حتى بلغت النقول عنهم ألوف الروايات، فعلى سبيل المثال نقل عن ابن عباس ﵄ (١٧١٦) أثرًا (١)، ومن أوجه أهمية تفسير الصحابي:
١ - أن أقوالهم في أسباب النزول لها حكم الرفع، وكذلك أقوالهم في الأمور الغيبية غير الإسرائيليات لها حكم الرفع.
٢ - أنهم من أعرق القبائل العربية وقد نزل القرآن بلغتهم، فلهم قدرةٌ على فهم القرآن واستنباط الأحكام.
٣ - حجية قول الصحابي في التفسير وخصوصًا إذا لم يعارضه صحابي آخر أعلم منه في التفسير، وهذه الحجية متفاوتة بتفاوت علمهم بالتفسير، ففي المرتبة الأولى: الخلفاء الأربعة، والمرتبة الثانية: المكثرون كابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة، وعائشة ﵃ أجمعين.
ومما يدل على تفاوت الصحابة في التفسير: إدخال عمر بن الخطاب لابن عباس ﵄ مع أشياخ بدر في مجلسه، وسؤاله عن مطلع سورة النصر كما سيأتي في تفسيرها.
٤ - بعض هؤلاء الصحابة بل الكثير منهم حظي بكتابة الوحي، وهذا يساعد على بيان الناسخ والمنسوخ وبيان المشكل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، والمكي والمدني، وكتابة القرآن الكريم وقت نزوله يعين على فهمه.
(١) حسب إحصائية فضيلة الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري في كتابه القيم "تفسير التابعين".