للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء، كما قال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] وقال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] وقال: في هذه الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)﴾ أي: أن نأمر به مرة واحدة فإذا هو كائن، كما قال الشاعر:

إذا ما أراد الله أمرًا فإنما … يقول له كن كائنًا فيكون

أي: أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، لأنه الواحد القهار العظيم الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال الله تعالى: شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ قال: وقلت: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وأما شتمه إياي فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣] وقلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)[الإخلاص]. هكذا ذكره موقوفًا وهو في الصحيحين مرفوعًا بلفظ آخر (١).

﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)﴾.

يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه، ويحتمل أن يكون سبب نزولها في مهاجرة الحبشة (٢) الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رُقية بنت رسول الله ، وجعفر بن أبي طالب ابن عمِّ الرسول، وأبو سلمة بن عبد الأسود في جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة صديق وصديقة وأرضاهم، وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾.

قال ابن عباس والشعبي وقتادة: المدينة (٣).

وقيل: الرزق الطيب، قاله مجاهد (٤). ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم


(١) سنده ضعيف لأن ابن أبي حاتم رواه معلقًا، ويتقوى بما أخرجه البخاري من طريق آخر عن الأعرج عن أبي هريرة بمعناه دون ذكر الآيات المستشهد بها، (الصحيح، بدء الخلق ح ٣١٩٣).
(٢) ذكر هذا السبب قتادة فيما أخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، لكن سنده مرسل.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، وقول الشعبي أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.