للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعوضهم الله خيرًا منها في الدنيا، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد، وحكمهم على رقاب العباد، وصاروا أمراء حكامًا، وكل منهم للمتقين إمامًا، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أي: مما أعطيناهم في الدنيا ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله، ولهذا قال هشيم عن العوام، عمّن حدثه، أن عمر بن الخطاب ، كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم قرأ هذه الآية ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (١).

ثم وصفهم تعالى فقال: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)﴾ أي: صبروا على الأذى من قومهم متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾.

قال الضحاك، عن ابن عباس: لما بعث الله محمدًا رسولًا، أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، فأنزل: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ [يونس: ٢] وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)﴾ يعني: أهل الكتب الماضية أبشرًا كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولًا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩] ليسوا من أهل السماء كما قلتم (٢)، وكذا روي عن مجاهد، عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر: أهل الكتاب (٣)، وقاله مجاهد والأعمش (٤).

وقول عبد الرحمن بن زيد: الذكر القرآن، واستشهد بقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)[الحجر] (٥) صحيح، لكن ليس هو المراد ههنا، لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه، وكذا قول أبي جعفر الباقر: نحن أهل الذكر (٦)، ومراده أن هذه الأُمة أهل الذكر، صحيح فإنه هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة، وعلماء أهل بيت رسول الله والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبي جعفر الباقر وهو


(١) أخرجه الطبري من طريق هشيم به، وسنده ضعيف لإبهام شيخ العوام.
(٢) أخرجه الطبري من طريق الضحاك به، وسنده ضعيف لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق مجاهد به.
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا، وقول الأعمش أخرجه الطبري بسند فيه ابن وكيع وهو سفيان فيه مقال، ويتقوى بسابقه.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله، عن عبد الرحمن بن زيد.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جابر عن أبي جعفر الباقر، وجابر هو الجعفي وهو ضعيف ويتشيع.