للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه، وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين.

والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد كانوا بشرًا كما هو بشر، كما قال تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)[الإسراء] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠] وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨)[الأنبياء] وقال: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩] وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف: ١١٠] ثم أرشد الله تعالى من شكَّ في كون الرسل كانوا بشرًا إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا هل كان أنبياؤهم بشرًا أو ملائكة.

ثم ذكر تعالى أنه أرسلهم ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالحجج والدلائل ﴿وَالزُّبُرِ﴾ وهي الكتب كما قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم (١). والزبر جمع زبور، تقول العرب: زبرت الكتاب إذا كتبته. وقال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)[القمر] وقال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)[الأنبياء].

ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ يعني: القرآن ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي: من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله وحرصك عليه واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم، فتفصل لهم ما أجمل وتبين لهم ما أشكل ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: ينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة في الدارين.

﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)﴾.

يخبر تعالى عن [حلمه] (٢) وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم، كما قال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)[الملك].

وقوله: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ أي: في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها في أسفارهم ونحوها من الأشغال الملهية.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، ومعناه صحيح ويشهد له ما يليه، وهو قول مجاهد الذي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري ويتقوى بسابقه.
(٢) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "حكمه".