للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة -بطوله، وفيه- فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا شكورًا، فاشفع لنا إلى ربك" (١) وذكر الحديث بكامله.

﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)﴾.

يخبر تعالى أنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب، أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين، ويعلون علوًا كبيرًا، أي: يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس، كما قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)[الحجر] أي: تقدمنا إليه، وأخبرناه بذلك، وأعلمناه به.

وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا﴾ أي: أولى الإفسادتين ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي: سلطنا عليكم جندًا من خلقنا ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾، أي: قوة وعدة وسلطنة شديدة، ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَار﴾، أي: تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم، أي: بينها ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدًا ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾.

وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم من هم؟

فعن ابن عباس وقتادة أنه جالوت الجزري وجنوده، سلط عليهم أولًا ثم أديلوا عليه بعد ذلك. وقتل داود جالوت، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)(٢).

وعن سعيد بن جبير أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده (٣).

وعنه أيضًا وعن غيره أنه بختنصر ملك بابل (٤).

وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أنه ملك البلاد، وأنه كان فقيرًا مقعدًا ضعيفًا يستعطي الناس ويستطعمهم، ثم آل به الحال إلى ما آل، وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس فقتل بها خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل (٥).


(١) صحيح البخاري، التفسير، سورة بني إسرائيل، باب ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ … ﴾ [الإسراء: ٣] (ح ٤٧١٢).
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، ويتقوى بقول قتادة فقد أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي المعلى، وهو يحيى بن ميمون الضبي العطار، عن سعيد بن جبير.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور بطوله ونسبه إلى ابن أبي حاتم.