للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولًا (١)، وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث، والعجب كل العجب كيف راجٍ عليه مع جلالة قدره وإمامته، وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي بأنه موضوع مكذوب، وكتب ذلك على حاشية الكتاب.

وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أرَ تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع ومن وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحًا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد. وفيما قصَّ الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم. وقد أخبره الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا، سلَّط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقًا من الأنبياء والعلماء.

وقد روى ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام، فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كبا، فسألهم، ما هذا الدم؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر، قال: فقتل على ذلك الدم سبعين ألفًا من المسلمين وغيرهم، فسكن.

وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب، وهذا هو المشهور، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم حتى إنه لم يبق من يحفظ التوراة، وأخذ منهم خلقًا كثيرًا أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه لجاز كتابته وروايته، والله أعلم (٢).

ثم قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أي: فعليها، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت: ٤٦].

وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أي: المرة الآخرة، أي: إذا أفسدتم الكرة الثانية وجاء أعداؤكم ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ أي: يهينوكم ويقهروكم، ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ أي: بيت المقدس ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار، ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ أي: يدمروا ويخربوا ﴿مَا عَلَوْا﴾ أي: ما ظهروا عليه ﴿تَتْبِيرًا (٧)

﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ أي: فيصرفهم عنكم، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ أي: متى عدتم إلى الإفساد ﴿عُدْنَا﴾ إلى الإدالة عليكم في الدنيا مع ما ندخره لكم في الآخرة من العذاب والنكال، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ أي: مستقرًا ومحصرًا وسجنًا لا محيد لهم عنه.

قال ابن عباس: حصيرًا أي: سجنًا (٣).


(١) أخرجه الطبري ثم أردفه بطريق آخر فيه رجل مجهول.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وصححه الحافظ ابن كثير، لكنه مرسل ويتقوى بما أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.