للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كأنك من جمال بني أقيش … يقعقع عند رجليه بشن

أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش، فحذف الموصوف، واكتفى بالصفة. وهكذا ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ أي: غير صراط المغضوب عليهم، اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف. وقد دل عليه سياق الكلام؛ وهو قوله (تعالى) (١): ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ثم قال (تعالى) (١) ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾.

ومنهم من زعم أن "لا" في قوله (تعالى) (١): ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ زائدة وأن تقدير الكلام عنده: "غير المغضوب عليهم والضالين"؛ واستشهد ببيت العجاج:

في بئر لا حور … سعى وما شعر

أي: في بئر حور. والصحيح ما قدمناه، ولهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "فضائل القرآن" (٢) عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطاب - أنه كان يقرأ: "غير المغضوب عليهم وغير الضالين". وهذا إسناد صحيح.

وكذلك حُكي عن أُبي بن كعب أنه قرأ كذلك، وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير. فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بـ "لا" لتأكيد النفي [لئلا يتوهم أنه معطوف على: "الذين أنعمت عليهم"] (٣)، وللفرق بين الطريقتين؛ ليجتنب كل (واحد) (٤) منهما؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق، والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم؛ والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع (الرسول) (٥) الحق، ضلوا. وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، [كما قال (تعالى) (٦) عنهم: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٦٠]] (٧)، وأخص أوصاف النصارى الضلال، [كما قال (تعالى) (٨) عنهم: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٧٧]] (٧).

وبهذا جاءت الأحاديث والآثار؛ [وذلك واضح بيِّن فيما] (٧) قال الإمام أحمد (٨): حدثنا


= جمال بني أقيش، وهم حي من اليمن في إبلهم نفار شديد، وكانت إبلهم إذا سمعت صوت الشن، وهو القربة البالية، نفرت نفورًا شديدًا.
(١) من (ز) و (ن).
(٢) أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص ١٦٢)؛ وسعيد بن منصور في "تفسيره" (١٧٧)؛ وابن أبي داود في "المصاحف" (ص ٥١) من طرق عن الأعمش، بسنده سواء وسنده صحيح، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ١٥) لوكيع وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في "المصاحف".
(٣) ساقط من (ز).
(٤) من (ن).
(٥) ساقط من (ن).
(٦) من (ز) و (ن).
(٧) ساقط من (ز).
(٨) أخرجه أحمد في "المسند" (٤/ ٣٧٨، ٣٧٩)؛ وعنه الطبراني في "الكبير" (ج ١٧/ رقم ٢٣٧)؛ والبيهقي في "الدلائل" (٥/ ٣٣٩، ٣٤٠) مطولًا.
وأخرجه الترمذي (٨/ ٢٨٩، ٢٩٠ تحفة الأحوذي)؛ وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤٠)؛ وابن جرير (١٩٤،=