للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان مالًا؛ لأنهم ذكروا أنه كان لوحًا من ذهب، وفيه مال جزيل أكثر ما زادوا أنه كان مودعًا فيه علم، وهو حكم ومواعظ، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنة.

قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحًا (١).

وتقدم أنه كان الأب السابق، فالله أعلم.

وقوله: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ ههنا أسند الإرادة إلى الله تعالى؛ لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله، وقال في الغلام: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف: ٨١] وقال في السفينة: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] فالله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح، وما فعله عن أمري أي لكني أُمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر مع ما تقدم من قوله: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)[الكهف] وقال آخرون: كان رسولًا. وقيل: بل كان ملكًا، نقله الماوردي في تفسيره (٢)، وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيًا، بل كان وليًا، فالله أعلم.

وذكر ابن قتيبة في (المعارف) أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (٣)، قالوا: وكان يكنى أبا العباس، ويلقب بالخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقيًا إلى الآن، ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها حديث التعزية، وإسناده ضعيف، ورجع آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وبقول النبي يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" (٤)، وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيًا لكان من أتباع النبي وأصحابه؛ لأنه كان مبعوثًا إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، وقد قال: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" (٥)، وأخبر قبل موته بقليل أنه لا


(١) أخرجه عبد الله بن المبارك عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن سعيد بن جبير به (الزهد رقم ٣٣٢)، وفي سنده عبد الملك بن ميسرة: مقبول أو مجهول (ينظر: التقريب ص ٣٦٥)، ومعناه صحيح.
(٢) النكت والعيون ٢/ ٤٩٥.
(٣) المعارف ص ٤٢.
(٤) صحيح مسلم، الجهاد، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (ح ١٧٦٣).
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٨١، ٨٢ بدون ذكر عيسى.
وقال الألباني: وهو حديث محفوظ دون ذكر عيسى فيه، فإنه منكر عندي لم أره في شيء من طرقه، وهي مخرجة في (إرواء الغليل، رقم ١٥٨٩).