للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف، إلى غير ذلك من الدلائل.

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة عن النبي في الخضر قال: "إنما سمي خضرًا لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من تحته خضراء" (١). ورواه أيضًا عن عبد الرزاق (٢)، وقد ثبت أيضًا في صحيح البخاري عن همام عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة، فإذا هي تهتز من تحته خضراء" (٣). والمراد بالفروة ههنا الحشيش اليابس وهو الهشيم من النبات، قاله عبد الرزاق. وقيل: المراد بذلك وجه الأرض.

وقوله: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ أي: هذا تفسير ما ضقت به ذرعًا، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال: ﴿تَسْطِعْ﴾ وقبل ذلك كان الإشكال قويًا ثقيلًا، فقال: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨]، فقابل الأثقل بالأثقل، والأخف بالأخف، كما قال: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ وهو الصعود إلى أعلاه ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: ٩٧] وهو أشق من ذلك، فقابل كلًّا بما يناسبه لفظًا ومعنى، والله أعلم.

فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبع، وقد صرّح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى ، هذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال: حدثنا ابن حميد، حدثنا سلمة: حدثني ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث، وقد كان معه؟ قال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى، قال: شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة، ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب (٤). إسناده ضعيف، والحسن متروك، وأبوه غير معروف.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤)﴾.

يقول تعالى لنبيه : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾ يا محمد ﴿عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ أي: عن خبره وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح؛ فنزلت سورة الكهف (٥)، وقد أورد ابن جرير


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه (المسند ١٣/ ٤٧٤ ح ٨١١٣).
(٢) (المسند ١٣/ ٥٣٤ ح ٨٢٢٨)، وصحح سنده محققوه.
(٣) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى (ح ٣٤٠٢).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًا؛ لأن الحسن بن عمارة متروك، كما قرر الحافظ ابن كثير. وفيه أيضًا عنعنة ابن إسحاق.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير الآيات ١ - ٥.