للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ههنا والأموي في مغازي حديثًا أسنده، وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر أن نفرًا من اليهود جاءوا يسألون النبي عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شابًا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك إلى السماء وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجه الكلاب (١)، وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.

والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه (دلائل النبوة)، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني، وهو ابن فيليبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان وزيره الخضري ، وأما الثاني فهو إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم. وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن، فكان في زمن الخليل، كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم ، وقرب إلى الله قربانًا، وقد ذكرنا طرفًا صالحًا من أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية (٢)، ولله الحمد.

وقال وهب بن منبه: كان ملكًا، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس (٣)، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي عن ذي القرنين، فقال: كان عبدًا ناصحًا لله، فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه، فمات، فاحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين (٤)، وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل سمع عليًا يقول ذلك (٥).

ويقال: إنه سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.

وقوله: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: أعطيناه ملكًا عظيمًا ممكنًا فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم، ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.

وقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علمًا (٦).


(١) أخرجه ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص ٣٨)، وضعفه الحافظ ابن كثير، ونقد سنده وبين نكارته.
(٢) ينظر البداية والنهاية ٢/ ١٠٢ - ١٠٩.
(٣) أخرجه الطبري عن وهب والخبر من الإسرائيليات.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٦٣)، والبستي والطبري كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن سفيان به. وسنده صحيح.
(٥) أخرجه الطبري من طريق شعبة به، وسنده صحيح.
(٦) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد لم أجده، وقول قتادة =