للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال قتادة أيضًا في قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ قال: منازل الأرض وأعلامها (١).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ قال: تعليم الألسنة، قال: كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم (٢).

وقال ابن لهيعة: حدثني سالم بن غيلان، عن سعيد بن أبي هلال: أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله تعالى قال: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾.

وهذا الذي أنكره معاوية على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار، فإن معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلو عليه الكذب؛ يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مُبدّل مُصحَّف مُحرَّف مُختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق، فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك، ولا إلى الترقي في أسباب السماوات، وقد قال الله في حق بلقيس: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] أنه مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين، يسر الله له الأسباب؛ أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق (٣) والبلاد والأراضي، وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك، قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببًا، والله أعلم.

وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة، عن أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن حبيب بن جماز قال: كنت عند علي وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سبحان الله سخر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد (٤).

﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (٨٨)﴾.

[قال ابن عباس: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥)﴾ يعني بالسبب المنزل] (٥) (٦).


= أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب بلفظ آخر وهو: "من كل شيء علمًا".
(١) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور من طريق سعيد بن أبي هلال به.
(٣) جمع رستاق، وهي القرى والأراضي الخضراء.
(٤) أخرجه الضياء من طريق قتيبة به وأطول، وصحح سنده محققه (المختارة ١/ ٣٢ رقم ٤٠٩).
(٥) زيادة من (ح) و (حم).
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما يليه.