للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض حتى إذا بلغ بين السدين، وهما جبلان متناوحان (١) بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك فيعيثون فيها فسادًا ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم ، كما ثبت في الصحيحين: "إن الله تعالى يقول: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فيقول: ابعث بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذٍ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها فقال: إن فيكم أمّتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج" (٢).

وقد حكى [النووي] (٣) في شرح مسلم عن بعض الناس: أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم فاختلط بالتراب فخلقوا من ذلك (٤)، فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم وليسوا من حواء، وهذا قول غريب جدًا لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، ولا يجوز الاعتماد ههنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحايث المفتعلة، والله أعلم.

وفي مسند الإمام أحمد عن سَمُرة أن رسول الله قال: "ولد نوح ثلاثة: سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك" (٥).

قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبو الترك، وقال: إنما سمي هؤلاء تركًا؛ لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة، وإلا فهم أقرباء أولئك ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة.

وقد ذكر ابن جرير ههنا عن وهب بن منبه أثرًا طويلًا عجيبًا في سير ذي القرنين وبنائه السد وكيفية ما جرى له، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم (٦)، وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها (٧)، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ أي: لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس

﴿قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ قال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: أجرًا عظيمًا (٨). يعني: أنهم أرادوا أن يجمعوا لهم من بينهم مالًا يعطونه


(١) أي: متقابلان.
(٢) أخرجاه من حديث أبي سعيد الخدري (صحيح البخاري، الرقاق، باب قوله ﷿: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١] ح ٦٥٣٠) وصحيح مسلم، الإيمان، باب قوله: (يقول الله لآدم: أخرج بعث النار … ح ٣٧٩).
(٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "النوادي".
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي ٣/ ٩٧.
(٥) أخرجه الإمام أحمد من طريق الحسن البصري عن سَمُرة ، وضعف سنده محققوه لأن الحسن لم يصرح بالسماع (المسند ٣٣/ ٢٩٣ ح ٢٠١٠٠)، وأخرجه الحاكم من طريق الحسن به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥٤٦)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (ح ٣٢١٤)، وهو كما قال.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن إسحاق عن مجهول عن وهب ونقد متنه الحافظ ابن كثير.
(٧) ذكرها السيوطي في الدر المنثور.
(٨) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.