للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)﴾ وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه ولا على شيء منه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس (١)، قال الذي عليهم (٢): ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله، ويستثني (٣) فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفًا (٤) في رقابهم فيقتلهم بها، قال رسول الله : "والذي نفس محمد بيده إن دوابَّ الأرض لتسمن وتشكر (٥) شكرًا من لحومهم ودمائهم" (٦).

ورواه أحمد أيضًا عن حسن هو: ابن موسى الأشهب، عن سفيان، عن قتادة، به (٧). وكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: حدث أبو رافع، وأخرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن قتادة، ثم قال: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه (٨). وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون: غدًا نفتحه، فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك فيصبحون، وهو كما كان فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه (٩). وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع (١٠) فرفعه، والله أعلم.

ويؤكد ما قلناه من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع قول


(١) أي: عند غروب الشمس.
(٢) أي: أميرهم.
(٣) أي يقول: إن شاء الله.
(٤) هو دود يكون في أنوف الإبل والغنم.
(٥) أي: تسمن.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه (المسند ١٦/ ٣٧٠ ح ١٠٦٣٢)، وأخرجه ابن ماجه من طريق سعيد بن أبي عروبة به (السنن، الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم … ح ٤٠٨٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٢٩٨) ومن الطريق نفسه أخرجه ابن حبان (الإحسان ١٥/ ٢٤٢ ح ٦٨٢٩)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٤٨٨).
(٧) المسند ١٦/ ٣٧١ (ح ١٠٦٣٣).
(٨) أخرجه ابن ماجه كما تقدم في الرواية السابقة، وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب (السنن، التفسير، باب ومن سورة الكهف ح ٣١٥٣).
(٩) نسبه السيوطي إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
(١٠) لكن لبعضه شواهد في صحيح من مسلم من حديث النواس بن سمعان (الصحيح، الفتن، باب ذكر الدجال ح ٢١٣٧)، وقد أجاب الألباني على نقد الحافظ ابن كثير (السلسلة الصحيحة ح ١٧٣٥).