للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمى، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أُمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوج النبي قال سفيان: أربع نسوة - قالت: استيقظ النبي من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا" وحلَّق (١) قلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث (٢) " (٣). هذا حديث صحيح اتفق البخاري ومسلم (٤) على إخراجه من حديث الزهري، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة وأثبتها مسلم، وفيه أشياء عزيزة قليلة نادرة الوقوع في صناعة الإسناد منها رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان، ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهم عن بعض، ثم كل منهن صحابية، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان .

قد رُوي نحو هذا عن أبي هريرة، أيضًا، فقال البزار: حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأموج مثل هذا" وعقد التسعين، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب به (٥).

وقوله: ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ أي: لما بناه ذو القرنين ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ أي: بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلًا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي﴾ أي: إذا اقترب الوعد الحق ﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أي: ساواه بالأرض، تقول العرب: ناقة دكاء إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣]: أي مساويًا للأرض.

وقال عكرمة في قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ قال: طريقًا كما كان (٦)، ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ أي: كائنًا لا محالة.

وقوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ﴾ أي: الناس يومئذٍ، أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السدي في قوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ قال: ذاك حين يخرجون على الناس (٧)، وهذا كله قبل القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه عند قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٦، ٩٧]، وهكذا قال ههنا: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ قال: هذا أول القيامة ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ على أثر ذلك ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾.

وقال آخرون: بل المراد بقوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ قال: إذا ماج الجن والإنس


(١) أي: حلَّق بأصبعيه الإبهام والسبابة.
(٢) أي: الفسوق والفجور.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٤٢٨). وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج (ح ٣٣٤٦)، وصحيح مسلم، الفتن، باب اقتراب الفتن (ح ٢٨٨٠).
(٥) صحيح البخاري، الباب السابق (ح ٣٣٤٧)، وصحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢٨٨١).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.