للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء، بل هي أعمُّ من هذا (١)، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل مَن عبدَ اللهَ على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود، كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤)[الغاشية] وقال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)[الفرقان] وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: ٣٩] وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾ أي: نخبركم ﴿بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ ثم فسرهم، فقال: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ أي: يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون.

وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ﴾ أي: جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ أي: لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير.

قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة، حدثني أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة - وقال: - اقرأوا إن شئتم ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (٢). وعن يحيى بن بكير، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله، هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقًا، وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن [بكير] (٣)، به (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة فلا يزنها" قال: وقرأ ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾، وكذا رواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن أبي الصلت، عن أبي الزناد، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة مرفوعًا … فذكره بلفظ البخاري سواء (٥).

وقال أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلّة له، فلما قام على النبي قال: "يا بُريدة هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنًا" ثم قال: تفرد به واصل مولى أبي عنبسة، وعون بن عمارة، وليس


(١) ونحوه ذكره القسطلاني (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٧/ ٢٣٠).
(٢) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [الكهف: ١٠٥] (ح ٤٧٢٩).
(٣) كذا في (حم) و (ح) وصحيح مسلم، وفي الأصل صحفت إلى: "طبر".
(٤) صحيح مسلم، صفة القيامة والجنة والنار (ح ٢٧٨٥).
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وهو حديث صحيح متفق عليه كما سبق.