للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن ابن عباس أن رسول الله قال: "ما من أحد من ولد آدمَ إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا وما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى" (١). وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة، والله أعلم.

وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى التقيا، فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني، فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني، فقال له عيسى: أنت خير مني سلَّمت على نفسي، وسلَّم الله عليك فعرف واللهِ فضلَهما (٢).

﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١)﴾.

لما ذكر تعالى قصة زكريا ، وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدًا زكيًا طاهرًا مباركًا، عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى منها من غير أب، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة، ولهذا ذكرهما في آل عمران وههنا، وفي سورة الأنبياء يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه، وأنه على ما يشاء قادر، فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ وهي مريم بنت عمران من سلالة داود . وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة؛ أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧] ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل والدؤوب، وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك، وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٣٧] فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء، كما تقدم بيانه في سورة آل عمران (٣)، فلما أراد الله تعالى وله الحكمة والحجة البالغة، أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ﴿انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ أي: اعتزلتهم وتنحت عنهم، وذهب إلى شرق المسجد المقدس. وقال السدي: لحيض أصابها (٤)، وقيل لغير ذلك.

قال أبو كدينة، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إن أهل الكتاب كتب


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٥٤) وضعفه الحافظ ابن كثير.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (الزهد ص ٧٦)، والطبري كلاهما من طريق سعيد بن أبي عروبة به، ورجاله ثقات لكنه مرسل.
(٣) في الآية ٣٧.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.