للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك: ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ قال: خرجت مريم مكانًا شرقيًا، فصلوا قبل مطلع الشمس. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (١).

وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، عن ابن عباس قال: إني لأعلمُ خلقِ اللهِ لأي شيء اتخذت النصارى المشرقَ قبلةً لقول الله تعالى: ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ واتخذو ميلاد عيسى قبلة (٢).

وقال قتادة: ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ شاسعًا منتحيًا (٣).

وقال محمد بن إسحاق: ذهبت بقلتها (٤) لتستقي الماء.

وقال نوف البكالي: اتخذتْ لها منزلًا تتعبد فيه (٥)، فالله أعلم.

وقوله: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ أي: استترت منهم وتوارت فأرسل الله تعالى إليها جبريل ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ أي: على صورة إنسان تام كامل.

قال مجاهد والضحاك وقتادة وابن جريج ووهب بن منبه والسدي في قوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ يعني: جبرائيل (٦). وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن، فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)[الشعراء] وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب قال: إن روح عيسى من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرًا سويًا (٧)؛ أي روح عيسى، فحملت الذي خاطبها، وحلَّ في فيها، وهذا في غاية الغرابة والنكارة وكأنه إسرائيلي.

﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)﴾ أي: لما تبدى لها الملك في صورة بشر وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب، خافته وظنت أنه يريدها على نفسها، فقالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ أي: إن كنت تخاف الله تذكيرًا له بالله، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل، فخوفته أولًا بالله ﷿.

قال ابن جرير: حدثني أبو كريب، حدثنا أبو بكر، عن عاصم قال: قال أبو وائل وذكر قصة


(١) أخرجه الطبري مقطعًا من طريق محمد بن الصلت عن أبي كدينة به، وفي سنده: قابوس بن أبي ظبيان فيه لين (التقريب ص ٤٤٩).
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وداود هو ابن أبي هند، وعامر هو الشعبي، وأخرجه البستي من طريق ابن أبي عدي عن داود به مختصرًا، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أي: بجرتها.
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه إلى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن نوف بنحوه مطولًا.
(٦) قول مجاهد لم أجده، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، لكنه قال: ذُكر لنا، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف، وقول وهب أخرجه الطبري بسند ضعيف لإبهام الراوي عن وهب، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٧) أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي به بنحوه وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٧٣)، ولكن متنه منكر من أخبار أهل الكتاب كما قرر الحافظ ابن كثير.