للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رطبًا جنيًا" (١) وروى أبو إسحاق عن البراء أنه قرأها "يَسّاقَطُ" (٢) أي: الجذع، والكل متقارب.

وقوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ أي: مهما رأيت من أحد ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك، لا أن المراد به القول اللفظي لئلا ينافي ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ قال أنس بن مالك في قوله: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ قال: صمتًا (٣)، وكذا قال ابن عباس والضحاك (٤)، وفي رواية عن أنس: صومًا وصمتًا (٥)، وكذا قال قتادة وغيرهما (٦).

والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام، نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد (٧). وقال أبو إسحاق عن [حارثة] (٨) قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله بن مسعود: كلّم الناس وسلّم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج - يعني بذلك مريم (٩) -؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمهما الله.

وقال عبد الرحمن بن زيد: لما قال عيسى لمريم: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج ولا مملوكة؟ أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ قال: هذا كله من كلام عيسى لأمه (١٠)، وكذا قال وهب (١١).

﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك وأن لا تكلم أحدًا من البشر،


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه ابن حميد، وهو: محمد بن حميد الرازي: ضعيف، والقراءة شاذة.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أبي إسحاق به، والقراءة متواترة.
(٣) أخرجه الطبري من طريقين يقوي أحدهما الآخر عن أنس .
(٤) قول ابن عباس أخرجه البستي بسند جيد من طريق المغيرة بن عبد الله الثقفي عن ابن عباس، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٥) أخرجه أبو عبيد (فضائل القرآن ص ١٧٦)، والطبري بسند صحيح من طريق سليمان التيمي، وهو ابن طرخان، عن أنس، وفيه: أنه قرأ، وعليه فإن القراءة شاذة تفسيرية.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن.
(٨) كذا في (حم) و (ح)، وفي تفسير الطبري وفي ترجمته في التقريب، وهو ابن مضرِّب. وفي الأصل صُحف إلى: "جارية".
(٩) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.
(١٠) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(١١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام الراوي عن وهب.