للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها، فسلَّمت لأمر الله ﷿ واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها فأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا أمرها واستنكروه جدًا، و ﴿قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ أي: أمرًا عظيمًا، قاله مجاهد وقتادة والسدي وغير واحد (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا سيّار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو عمران الجوني، عن نوف البكالي قال: وخرج قومها في طلبها، قال: وكانت من أهل بيت نبوة وشرف فلم يحسوا منها شيئًا، فلقوا راعي بقر فقالوا: رأيت فتاة كذا وكذا نعتها؟ قال: لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط، قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيتها الليلة تسجد نحو هذا الوادي.

قال عبد الله بن أبي زياد: وأحفظ عن سيّار أنه قال: رأيت نورًا ساطعًا فتوجهوا حيث قال لهم؛ فاستقبلتهم مريم، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها فجاؤوا حتى قاموا عليها و ﴿قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (٢) أمرًا عظيمًا.

﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ أي: يا شبيهة هارون في العبادة ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ أي: أنت من بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟

قال علي بن أبي طلحة والسدي: قيل لها: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ أي: أخي موسى، وكانت من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر (٣)، وقيل: نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون (٤)، فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة، وحكى ابن جرير، عن بعضهم: أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم يقال له: هارون (٥).

ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين [الهجستاني حدثنا ابن أبي مريم] (٦)، حدثنا المفضل بن فضالة، حدثنا أبو صخر عن القرظي في قول الله ﷿: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ قال: هي أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] (٧).

وهذا القول خطأ محض، فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفى بعيسى بعد الرسل، فدل


(١) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٢) ذكره السيوطي مطولًا وعزاه إلى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد، ونوف البكالي مشهور بروايته الإسرائيليات.
(٣) ذكره الطبري وأخرجه بنحوه بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بنحوه، وهو الذي رجحه الطبري.
(٥) ذكره الطبري تعليقًا دون سند وعزو.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "الهنجاني حدثنا ابن مريم".
(٧) هذا الخبر من الإسرائيليات التي نقلها القرظي، وهو: محمد بن كعب، وقد ردَّ الحافظ ابن كثير هذا الخبر.