للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أنه آخر الأنبياء بعثًا، وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليهما، ولهذا ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: "أنا أولى الناس بابن مريم إلا أنه ليس بيني وبينه نبي" (١)، ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي، لم يكن متأخرًا عن الرسل سوى محمد، ولكان قبل سليمان وداود، فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦]، وذكر القصة إلى أن قال: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ الآية [البقرة: ٢٥١]، والذي جرّأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر وإغراق فرعون وقومه، قال: وكانت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين تضرب بالدف هي والنساء معها يسبِّحنَ الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل، فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى وهذه هفوة وغلطة شديدة. بل هي باسم هذه، وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم، كما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس؛ سمعت أبي يذكره عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرؤون ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يُسمُّون بالأنبياء والصالحين قبلهم" (٢)، انفرد بإخراجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن إدريس عن أبيه، عن سماك به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس (٣).

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين قال: نُبئت أن كعبًا قال: إن قوله: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ ليس بهارون أخي موسى قال: فقالت له عائشة: كذبت. قال: يا أم المؤمنين إن كان النبي قاله فهو أعلم وأخبر وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة. قال: فسكتت (٤). وفي هذا التاريخ نظر.

وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ الآية، قال: كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ولا يعرفون بالفساد، ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به، وكان هارون مصلحًا محببًا في عشيرته وليس بهارون أخي موسى ولكنه هارون آخر (٥)، قال: وذُكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفًا كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل (٦).


(١) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)﴾ [مريم] (ح ٣٤٤٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وحسن سنده محققوه (المسند ٣٠/ ١٤١ ح ١٨٢٠١).
(٣) صحيح مسلم، الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم (ح ٢١٣٥)، وسنن الترمذي، تفسير القرآن، باب ومن سورة مريم (ح ٣١٥٥)، والسنن الكبرى للنسائي، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] (ح ١١٣١٥).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن محمد بن سيرين لم يسمع الخبر من كعب الأحبار.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٦) أخرجه الطبري وهو تتمة لسابقه إلا أن قتادة في هذا الشطر لم يصرح باسم شيخه، والخبر متنه غريب جدًا.