للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)﴾ أي: إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية، وقد كانت يومها ذلك صائمة صامتة، فأحالت الكلام عليه، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه، فقالوا متهكمين بها ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾؟.

قال ميمون بن مهران: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ قالت: كلموه (١)، فقالوا: على ما جاءت به من الداهية تأمرنا أن نكلِّم من كان في المهد صبيًا.

وقال السدي: لما "أشارت إليه" غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا حتى تأمرنا أن نكلِّم هذا الصبي أشد علينا من زناها ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ (٢)؛ أي: من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره، كيف يتكلم؟

قال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾، أول شيء تكلم به أن نزَّه جناب ربه تعالى وبرأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه.

وقوله: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة.

قال نوف البكالي: لما قالوا لأمه ما قالوا، كان يرتضع ثديه، فنزع الثدي من فمه واتكأ على جنبه الأيسر وقال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ إلى قوله: ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (٣).

وقال حماد بن سلمة، عن ثابت البناني: رفع أصبعه السبابة فوق منكبه وهو يقول: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ الآية (٤).

وقال عكرمة: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ أي: قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا يحيى بن سعيد - هو: العطار -، عن عبد العزيز بن زياد، عن أنس بن مالك قال: كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمها وهو في بطن أُمه، فذلك قوله: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (٦). يحيى بن سعيد العطار الحمصي: متروك.

وقوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ قال مجاهد وعمرو بن قيس والثوري: وجعلني معلمًا للخير (٧). وفي رواية عن مجاهد: نفاعًا (٨).

وقال ابن جرير: حدثني سليمان بن عبد الجبار، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي،


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد عن ميمون.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) ذكره السيوطي وعزاه إلى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد والخبر من الإسرائيليات؛ لأن نوف البكالي معروف برواية القصص عن أهل الكتاب.
(٤) لم أجده عن ثابت.
(٥) أخرجه سفيان الثوري والطبري بسند حسن من طريق سماك عن عكرمة.
(٦) سنده ضعيف جدًا لأن يحيى بن سعيد العطار متروك كما قرر الحافظ ابن كثير.
(٧) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند ضعيف عنه، وقول الثوري أخرجه الطبري عن يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا سفيان. ويونس لم يدرك الثوري.
(٨) أخرجه الطبري والبيهقي (الجامع لشعب الإيمان رقم ٧٦٦١) بسند ضعيف عن ليث، وهو ابن أبي سليم، عن مجاهد.