للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: لما رأوا أصحاب محمد في عيشهم خشونة وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك ما تسمعون ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ (١). وكذا قال مجاهد (٢) والضحاك.

ومنهم من قال في الأثاث هو: المال (٣)، ومنهم من قال: الثياب (٤)، ومنهم من قال: المتاع والرئي المنظر، كما قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد (٥).

وقال الحسن البصري: يعني: الصور (٦). وكذا قال مالك: ﴿أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ أكثر أموالًا وأحسن صورًا. والكل متقارب صحيح.

﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على حق وأنكم على باطل: ﴿مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ﴾ أي: منا ومنكم ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ أي: فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله [﴿إِمَّا الْعَذَابَ﴾] (٧) يصيبه ﴿وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ بغتة تأتيه ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حينئذٍ ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندى.

قال مجاهد في قوله: ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾: فليدعه الله في طغيانه (٨).

وهكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير .

وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجمعة: ٦] أي: ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم إن كنتم تدعون أنكم على الحق، فإنه لا يضركم الدعاء، فنكلوا عن ذلك، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة البقرة مبسوطًا، ولله الحمد، وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة آل عمران (٩)، حين صمموا على الكفر واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله، وقد [ذكر] (١٠) الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى، وأنه مخلوق كآدم، قال تعالى بعد ذلك: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا


(١) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات لكنه مرسل ويتقوى بمرسل مجاهد التالي.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وهذا المرسل مع سابقه يقوي أحدهما الآخر.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن.
(٤) أخرجه البستي بسند حسن من عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٥) قول ابن عباس أخرجه البستي والطبري بسند حسن من طريق أبي ظبيان عنه، وقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٧) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "إما بعذاب".
(٨) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٩) آية ٦١.
(١٠) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض فيه حرف: "د".