للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به، وفي لفظ البخاري: كنت قينًا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفًا، فجئت أتقاضاه … فذكر الحديث (١). وقال: ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قال: موثقًا (٢).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال خبَّاب بن الأرت: كنت قينًا بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل، فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فإذا بعثت كان لي مال وولد، فذكرت ذلك لرسول الله فأنزل الله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)﴾ إلى قوله: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ (٣).

وقال العوفي، عن ابن عباس: إن رجالًا من أصحاب رسول الله كانوا يطالبون العاص بن وائل السهمي بدين، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأوتين مالًا وولدًا، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القرآن، فقال: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ إلى قوله: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ (٤)، وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: إنها نزلت في العاص بن وائل (٥).

وقوله: ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدًا، وقرأ آخرون بضمها (٦)، وهو بمعناه قال رؤبة:

الحمد لله العزيز فردًا … لم يتخذ من وُلدِ شيء ولدًا (٧)

وقال الحارث بن حلزة:

ولقد رأيت معاشرًا … قد ثمَّروا مالًا وولدا (٨)

وقال الشاعر:

فليت فلانًا كان في بطن أمه … وليت فلانًا كان ولد حمار (٩)

وقيل: إن الولد بالضم جمع، والولد بالفتح مفرد، وهي لغة قيس، والله أعلم.

﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ إنكار على هذا القائل: ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ يعني: يوم القيامة؛ أي أعلم ماله


(١) صحيح البخاري، البيوت، باب ذكر القين والحداد (ح ٢٠٩١)، وصحيح مسلم، صفات المنافقين، باب سؤال اليهود النبي عن الروح (ح ٢٧٩٥).
(٢) صحيح البخاري، التفسير سورة مريم (ح ٤٧٣٣).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٥) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح عنه لكنه مرسل، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند حسن عنه، وهو مرسل أيضًا، وهذان المرسلان يقوي أحدهما الآخر، ويشهد لهما ما سبق في الصحيحين.
(٦) كلتاهما قراءتان متواترتان.
(٧) استشهد به الطبري منسوبًا لرؤبة.
(٨) استشهد به الفراء في معاني القرآن ٢/ ١٧٣ والطبري.
(٩) استشهد به الطبري وابن جني في المحتسب ١/ ٣٦٥.