للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾ (١).

وقال زيد بن أسلم في هذه الآية ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾ قال: بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون (٢).

وقال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يرفعهم لهبها وتردُّهم مقامعها (٣).

وقوله: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ كقوله: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠] معنى الكلام: أنهم يهانون بالعذاب قولًا وفعلًا

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (٢٤)﴾.

لما أخبر تعالى عن حال أهل النار، عياذًا بالله من حالهم وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعدَّ لهم من الثياب من النار، ذكر حال أهل الجنة - نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة - فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها، يصرفونها حيث شاؤوا وأين أرادوا ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾ من الحلية ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ أي: في أيديهم، كما قال النبي في الحديث المتفق عليه: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" (٤).

وقال كعب الأحبار: إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميته، يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها - أي: سوار منها - لردَّ شعاع الشمس كما تردَّ الشمس نور القمر (٥).

وقوله: ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم، لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه، كما قال: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)[الإنسان].

وفي الصحيح: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" قال عبد الله بن الزبير: من لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة (٦)، قال الله تعالى: ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.


(١) أخرجه الطبري من طريق الأعمش به، وسنده مرسل، وقد أخرجه الحاكم من طريق الأعمش به عن سلمان، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٨٧).
(٢) نسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وسنده مرسل.
(٣) نسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وسنده معضل.
(٤) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح، الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء ح ٢٥٠).
(٥) سنده مرسل.
(٦) أخرجهما البخاري بدون ذكر الآية ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣] (الصحيح، اللباس، باب لبس الحرير للرجال … ح ٥٨٣٢ و ٥٨٣٣).