للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣)[إبراهيم].

وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)[الرعد]، وقوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)[الواقعة]، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، وقوله: ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ [الفرقان: ٧٥] لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون به ويقرعون به، يقال لهم: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١]، وقوله ﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ أي: إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح: "إنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النّفس" (١).

وقد قال بعض المفسرين في قوله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ أي: القرآن.

وقيل: لا إله إلا الله (٢). وقيل: الأذكار المشروعة ﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ أي: الطريق المستقيم في الدنيا، وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه، والله أعلم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)﴾.

يقول تعالى منكرًا على الكفار في صدِّهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه ودعواهم أنهم أولياؤه ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤]، وفي هذه الآية دليل على أنها مدنية، كما قال في سورة البقرة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقال هنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي: ومن صفتهم أنهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾؛ أي: ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)[الرعد] أي: ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله.

وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ أي: يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعًا سواء لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ ومن ذلك استواء الناس في رِباع مكة وسكناها، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ قال: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام (٣).


(١) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة يونس آية ١٠.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.