للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال رسول الله : "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (١).

ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)﴾.

وثبت في الصحيحين: أن رسول الله قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن" (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠)﴾ " (٣).

وقال ابن جريج، عن ليث، عن مجاهد ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠)﴾ قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة ويبني بيته الذي في النار (٤). وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك (٥)، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم ﷿؛ بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بُردة عن أبي موسى عن أبيه، عن النبي قال: "يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى" (٦).

وفي لفظ له: قال رسول الله : "إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديًا أو نصرانيًا، فيقال: هذا فكاكك من النار" فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات، أن أباه حدثه عن رسول الله بذلك، قال: فحلف له (٧).

قلت: وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)[مريم]، وكقوله: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)[الزخرف]، وقد قال مجاهد


(١) أخرجه الإمام أحمد من حديث ثوبان ، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، (المسند ٣٧/ ٦٠ ح ٢٢٣٧٨).
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ١٣٣.
(٣) سنده صحيح، وأخرجه ابن ماجه من طريق أحمد بن سنان به (السنن، الزهد، باب صفة الجنة ح ٤٣٤١)، وصححه البوصيري والحافظ ابن حجر (فتح الباري ١١/ ٤٤٢)، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه في آخر حديث من السنن.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج به ويشهد له سابقه.
(٥) يشهد له حديث أبي هريرة .
(٦) أخرجه مسلم (الصحيح، التوبة، باب قبول توبة القاتل ح ٢٧٦٧/ ٤٩).
(٧) المصدر السابق (٢٧٦٧/ ٥٠).