للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)[المرسلات] أي: مدة معلومة وأجل معين حتَّى استحكم وتنقل من حال إلى حال وصفة إلى صفة، ولهذا قال ههنا: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ أي: ثم صيرنا النطفة، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره، وترائب المرأة، وهي عظام صدرها، ما بين الترقوة إلى السرة، فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة.

قال عكرمة: وهي: دم (١). ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ وهي قطعة كالبضعة من اللّحم لا شكل فيها ولا تخطيط ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ يعني: شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها.

وقرأ آخرون: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ (٢). قال ابن عَبَّاسٍ: وهو عظم الصلب.

وفي الصحيح من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : "كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب" (٣).

﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ أي: وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ أي: ثم نفخنا فيه الروح، فتحرك وصار خلقًا آخر، ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا علي بن الحسين، حَدَّثَنَا جعفر بن مسافر، حَدَّثَنَا يحيى بن حسان، حَدَّثَنَا النضر -يعني: ابن كثير مولى بني هاشم-، حَدَّثَنَا زيد بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكًا فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ (٤) يعني: نفخنا فيه الروح، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح، قال ابن عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ يعني: فنفخنا فيه الروح (٥)، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد (٦)، واختاره ابن جرير.

وقال العوفي، عن ابن عباس ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ يعني: ننقله من حال إلى حال إلى أن خرج طفلًا ثم نشأ صغيرًا، ثم احتلم ثم صار شابًا، ثم كهلًا ثم شيخًا ثم هرمًا (٧). وعن قتادة


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) وهي قراءة متواترة.
(٣) صحيح البخاري، التفسير سورة المرسلات، باب قوله: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)﴾ [المرسلات] (ح ٤٩٣٥).
(٤) سنده ضعيف لضعف النضر بن كثير (التقريب ص ٥٦٢).
(٥) أخرجه البستي والطبري من طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس، وفيه الحجاج كثير الخطأ والتدليس، ويتقوى بما يليه.
(٦) قول عكرمة أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عنه، ولم أقف على ترجمة عبد الرحمن وبقية رجاله ثقات، وقد روي من طرق صحيحة فأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق منصور عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي، وأخرجه الطبري بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية، وأخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس بمعناه.