للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عفان، حَدَّثَنَا صخر بن جويرية، حَدَّثَنَا إسماعيل المكي، حَدَّثَنَا أبو خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة ، فقالت: مرحبًا بأبي عاصم، ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا؟ فقال: أخشى أن أملّك، فقالت: ما كنت لتفعل؟ قال: جئت لأسألك عن آية من كتاب الله ﷿: كيف كان رسول الله يقرؤها؟ قالت: أية آية؟ قال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾ أو "والذين يأتون ما أتوا" فقالت: أيتهما أحب إليك؟ فقلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعًا، أو الدنيا وما فيها. قالت: وما هي؟ فقلت: "والذين يأتون ما أتوا" فقالت: أشهد أن رسول اللَّه كذلك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف (١). فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، والمعنى على القراءة الأولى، وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر؛ لأنَّهُ قال: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)﴾ فجعلهم من السابقين؛ ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين، والله تعالى أعلم.

﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها؛ أي: إلا ما تطيق حمله والقيام به، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء، ولهذا قال: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ يعني: كتاب الأعمال، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ أي: لا يبخسون من الخير شيئًا، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين،

ثم قال منكرًا على الكفار والمشركين من قريش: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ أي: في غفلة وضلالة ﴿مِنْ هَذَا﴾ أي: القرآن الذي أنزله على رسوله .

وقوله: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣)﴾ قال الحكم بن أبان: عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾ أي: سيئة ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾؛ يعني: الشرك ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قال: لابدّ أن يعملوها (٢)، كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد (٣).

وقال آخرون: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ أي: قد كتبت عليهم أعمال سيئة لابدّ أن يعملوها قبل موتهم لا محالة، لتحق عليهم كلمة العذاب.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٩٥)، وأخرجه أبو عمر الدوري من طريق إسماعيل المكي به (قراءات النَّبِيّ ص ١٣٠)، وسنده ضعيف فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، كما قرر الحافظ ابن كثير، وفيه أيضًا أبو خلف مولى بني جمح: مجهول الحال (تعجيل المنفعة ص ٤٨١).
(٢) في سنده الحكم بن أبان: صدوق له أوهام (التقريب ص ١٧٤).
(٣) قول مجاهد أخرجه الطبري بعدة طرق يقوي بعضها بعضًا، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق حُميد عنه.