للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (١)، وهو ظاهر قوي حسن.

وقد قدمنا في حديث ابن مسعود: "فوالذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتَّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" (٢).

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤)﴾ يعني: حتَّى إذا جاء مترفيهم، وهم المنعمون في الدنيا، عذاب اللَّه وبأسه ونقمته بهم ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ أي: يصرخون ويستغيثون، كما قال تعالى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣)[المزمل]، وقال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)[ص].

وقوله: ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥)﴾ أي: لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب، ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)﴾ أي: إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)[غافر].

وقوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)﴾ في تفسيره قولان:

(أحدهما): أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكبارًا عليه، واحتقارًا له ولأهله، فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال:

(أحدها): أنه الحرم؛ أي: مكة، ذُمُّوا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام.

(والثاني): أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر، إنه شعر، إنه كهانة، إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة.

(والثالث): أنه محمد كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة، ويضربون له الأمثال الباطلة، من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون، فكل ذلك باطل؛ بل هو عبد اللَّه ورسوله الذي أظهره اللَّه عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء.

وقيل: المراد بقوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أي: بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به، كما قال [النسائي] (٣) من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان، أخبرنا عبيد اللَّه، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)﴾ فقال: مستكبرين بالبيت، يقولون: نحن أهله سامرًا قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه (٤). وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب -وهو عبد اللَّه- عن عبد الرحمن بن زيد.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٣٢.
(٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "النسئي".
(٤) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، التفسير (ح ١١٣٥١)، وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٩٤).