للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال السدي: كان شريك لي يقال له: مسلم، وكان مولى لامرأة حذيفة بن اليمان، فجاء يومًا إلى السوق وأثر الحناء في يده، فسألته عن ذلك فأخبرني أنه خضب رأس مولاته وهي امرأة حذيفة، فأنكرت ذلك، فقال: إن شئت أدخلتك عليها؟ فقلت: نعم، فأدخلني عليها فإذا هي امرأة جليلة، فقلت لها: إن مسلمًا حدثني أنه خضب لك رأسك؟ فقالت: نعم يا بُني إني من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا، وقد قال الله تعالى في ذلك ما سمعت (١).

وقوله: ﴿وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ أي: وترك وضعهن لثيابهن وإن كان جائزًا خير وأفضل لهن ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)﴾.

اختلف المفسرون في المعنى الذي لأجله رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض ههنا، فقال عطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنها: نزلت في الجهاد (٢)، وجعلوا هذه الآية ههنا كالتي في سورة الفتح، وتلك في الجهاد لا محالة؛ أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وكما قال تعالى في سورة براءة ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)[التوبة]، وقيل: المراد ههنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى؛ لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج؛ لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم، فأنزل الله هذه الآية، رخصة في ذلك، وهذا قول سعيد بن جبير ومقسم.

وقال الضحاك: كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذرًا وتعززًا، ولئلا يتفضلوا عليهم، فأنزل الله هذه الآية (٣).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده من طريق أسباط عن السدي، والسدي في هذا المتن يُنبه على تشيعه، فالإسناد ضعيف.
(٢) قول عطاء الخراساني أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق عثمان بن عطاء عنه، وعثمان ضعيف، وقول عبد الرحمن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه لكنه معضل؛ لأن عبد الرحمن تابع تابعي.
(٣) أخرجه البستي وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك وهو مرسل، ويتقوى بما يليه.