للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ. . .﴾ الآية، قال: كان الرجل يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم (١).

وقال السدي: كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه، فتتحفه المرأة بشيء من الطعام، فلا يأكل من أجل أن ربَّ البيت ليس ثمَّ، فقال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ إنما ذكر هذا وهو معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ، وليستأذنه به ما بعده في الحكم، وتضمن هذا بيوت الأبناء؛ لأنه لم ينصّ عليهم، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه، وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله أنه قال: "أنتَ ومالُك لأبيك" (٣).

وقوله: ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ هذا ظاهر.

وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض، كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما.

وأما قوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ فقال سعيد بن جبير والسدي: هو خادم الرجل من عبد وقهرمان (٤)، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف (٥).

وقال الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه، فكانوا يقولون: إنه لا يحلّ لنا أن نأكل، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء، فأنزل الله: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ (٦).

وقوله: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ أي: بيوت أصدقائكم وأصحابكم، فلا جناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك.


(١) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عن السدي لكنه مرسل، ويتقوى بما سبق.
(٣) أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو ، (المسند ١١/ ٢٦١ ح ٦٦٧٨)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وأخرجه أبو داود (السنن، الإجارة، باب في الرجل يأكل من مال ولده ح ٣٥٣٠)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٣٠١٥)، وابن ماجه (السنن، البيوع، ح ٢٢٩٢).
(٤) القهرمان: القائم بأمور الرجل باللغة الفارسية (ينظر: النهاية ٤/ ١٢٩).
(٥) قول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عنه، وقول السدي أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عنه.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق صالح بن كيسان عن الزهري به.